کد مطلب:167996 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:142

تأمل و ملاحظات
1) الملفتُ للانتباه والمثیر للعجب فی متن هذه الروایة روایة الطبری هو أنّ هذین الرجلین الاسدیین مع حسن أدبهما مع الامام علیه السلام وعاطفتهما نحوه لم یكونا ممّن عزم علی نصرة الامام علیه السلام والالتحاق بركبه! كلُّ مافی أمرهما هو أنّ الفضول دفعهما إلی معرفة مایكون من أمر الامام علیه السلام فقط! هذا باعترافهما كما


فی الروایة وقد تخلّیا عنه أخیراً بالفعل وفارقاه!.

2) والمتأمّل فی نصوص محاورات الامام الحسین علیه السلام منذ أن أعلن عن قیامه المقدّس یجد أنّ الامام كان لایخاطب هذا النوع من الرجال نوع هذین الاسدیین بمُرِّ الحقّ وصریح القضیة، بل كان یسلك إلی عقولهم فی الحدیث عن مرامیه سُبلاً غیر مباشرة، یعرض فیها سبباً أو أكثر من الاسباب التی تقع فی طول السبب الرئیس بما یُناسب المقام والحال!

فقوله علیه السلام صدق وحقّ: (لاخیر فی العیش بعد هؤلاء) أی بنی عقیل، بعد أن وثبوا لنباء مقتل مسلم علیه السلام وقالوا: واللّه لانرجع حتی نصیب ثاءرنا أو نذوق ماذاق!، لكنّ هذا لایعنی أنّ مواساة بنی عقیل كانت هی السبب الرئیس فی إصرار الامام علی التوجّه إلی الكوفة، فالامام علیه السلام لم یعلّل فی أی موقع أو نصّ إصراره علی التوجّه إلی الكوفة بطلب الثاءر لمسلم علیه السلام، بل كان یعلّل ذلك فی أكثر من موقع ونصّ بحجّة رسائل أهل الكوفة وببیعتهم، بل حتّی رسائل أهل الكوفة كانت سبباً فی مجموعة أسباب وقعت فی طول السبب الرئیس ‍ لقیامه علیه السلام وهو إنقاذ الاسلام المحمّدیّ الخالص من ید النفاق الامویة وتحریفاتها!

ها هو الامام علیه السلام یوجّه مسلم بن عقیل الی الكوفة ویبشّره بالشهادة! فیقول:

(إنّی موجّهك إلی أهل الكوفة، وهذه كتبهم إلیَّ، وسیقضی اللّه من أمرك مایحبّ ویرضی، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت فی درجة الشهداء!...). [1] .

ویقول علیه السلام للفرزدق: (رحمَ اللّه مسلماً، فلقد صار إلی روح اللّه وریحانه وجنّته ورضوانه، أما إنّه قد قضی ما علیه وبقی ما علینا...). [2] .


إذن فالقضیة عند الامام علیه السلام هی قضیة نجاة الاسلام التی هی أكبر من دم مسلم علیه السلام ومن كلّ دم! وهذه القضیّة هی السبب الرئیس فی إصرار الامام علیه السلام علی مواصلة السیر نحو الكوفة، لاطلب الثاءر لمقتل مسلم علیه السلام! ولالانّه لاخیر عنده فی العیش بعد شباب بنی عقیل وإن كان ذلك حقّاً!

3) ولایُعباء بما روی أنّ الامام علیه السلام كان قد همّ بالرجوع بعد أن علم بمقتل مسلم علیه السلام وهانی (رض) وعلم بعدم وجود من ینصره فی الكوفة!، ذلك ما ذكره ابن قتیبة فی (الامامة والسیاسة) حیث قال: (وذكروا أنّ عبیداللّه بن زیاد بعث جیشاً علیهم عمرو بن سعید، وقد جاء الحسین الخبر فهمَّ أن یرجع! ومعه خمسة من بنی عقیل فقالوا له: أترجع وقد قُتل أخونا، وقد جاءك من الكتب ما نثق به!؟

فقال لبعض أصحابه: واللّه مالی عن هؤلاء من صبر!...)، [3] وذكره ابن عبدربّه فی (العقد الفرید) حیث قال: (فبعث معه أی مع عمر بن سعد جیشاً وقد جاء حسیناً الخبرُ وهم بشراف، [4] فهمَّ بأن یرجع! ومعه خمسة من بنی عقیل...). [5] .


أمّا الطبری فله روایة أیضاً بهذا الصدد، هی: (فاءقبل حسین بن علی بكتاب مسلم بن عقیل كان إلیه، حتی إذا كان بینه وبین القادسیة ثلاثة أمیال لقیه الحرّ بن یزید التمیمی، فقال له: أین ترید؟ قال: أرید هذا المصر! قال له: إرجع فإنّی لم أدع لك خلفی خیراً أرجوه!، فهمَّ أن یرجع! وكان معه إخوة مسلم بن عقیل، فقالوا: واللّه لانرجع حتی نصیب بثأرنا أو نُقتل! فقال: لاخیر فی الحیاة بعدكم، فسار فلقیته أوائل خیل عبیداللّه، فلمّا رأی ذلك عدل إلی كربلاء..). [6] .

وهذه الروایة معارضة لروایة الطبری نفسه الموافقة لماهو مشهور من أنّ الحرّ (رض) التقی الامام علیه السلام ما بعد شراف فی ألف فارس، مأموراً من قبل ابن زیاد ألاّ یفارق الامام علیه السلام حتی یُقدمه الكوفة! وقد قال للامام علیه السلام فی (ذی حسم) وهو یسایره: یاحسین إنّی أذكّرك اللّه فی نفسك، فإنّی أشهد لئن قاتلتَ لتُقتَلَنّ، ولئن قوتلت لتهلكن فیما أری! فقال له الحسین:

أفبالموت تخوّفنی!؟ وهل یعدو بكم الخطب أن تقتلونی!؟ ما أدری ما أقول لك؟ ولكن أقول كما قال أخو الاوس لابن عمّه، ولقیه وهو یرید نصرة رسول اللّه (ص) فقال له: این تذهب، فإنّك مقتول!؟ فقال:



سأمضی وما بالموت عارٌ علی الفتی

إذا مانوی حقّاً وجاهد مسلما



واَّسی الرجال الصالحین بنفسه

وفارق مثبوراً یغشّ ویرغما.). [7] .



هذه هی الهمّة الحسینیة العالیة القاطعة! [8] فأین هی من (فهمَّ أن یرجع)!؟


نعم، ربّما استفاد بعضُ المؤرّخین أنّ الامام علیه السلام (همَّ بالرجوع) من أنّه علیه السلام علی بعض الروایات نظر إلی بنی عقیل فقال لهم: (ماترون، فقد قُتل مسلم؟ فبادر بنو عقیل وقالوا: واللّه لانرجع، أَیُقتل صاحبنا وننصرف!؟ لاواللّه، لانرجع حتی نصیب ثاءرنا أو نذوق ماذاق صاحبنا...). [9] .

والارجح أنّ الامام علیه السلام أراد أن یختبر عزم وتصمیم بنی عقیل علی مواصلة المسیر معه بعد نباء مقتل مسلم علیه السلام فسألهم (ماترون..؟)، فكانوا عند حسن معرفته بهم.


[1] الفتوح، 5:53.

[2] اللهوف: 32.

[3] الامامة والسياسة، 2:5 / وهي رواية (مرسلة: ذكروا) فضلاً عن اضطراب متنها، إذ إنّ عمرو بن سعيد هو والي مكّة آنذاك ولاسلطة لابن زياد عليه، والذي بعثه ابن زياد هو عمر بن سعد وليس ذاك، كما أنها لاتحدّد مكان الحدث!، ثمّ إنّ عمر بن سعد لم يُبعث بالفعل إلاّ بعد وصول الامام عليه السلام الي كربلاء وقد جُعجع به ومُنع من التوجّه حيث يشاء، فتأمّل!.

[4] شراف: ماء بنجد، بين واقصة والقرعاء، علي ثمانية أميال من الاحساء (راجع: معجم البلدان، 3:331).

[5] العقد الفريد، 4:335 / وهذه الرواية أشدّ اضطراباً ومخالفة للمشهور عند أهل السير من خبر ابن قتيبة، إذ إنّ الذي التقاه الامام عليه السلام بشراف هو الحرّ بن يزيد الرياحي (رض) مبعوثاً من قبل ابن زياد بألف فارس لاستقدام الامام عليه السلام إلي الكوفة مأسوراً هو ومن معه! ولم يكن عمر بن سعد يومذاك قد بُعث بالفعل قائداً من قبل ابن زياد علي جميع جيوشه لمواجة الامام عليه السلام.

[6] تاريخ الطبري، 3:297؛ وانظر: تذكرة الخواص: 221-222.

[7] تاريخ الطبري، 3:307.

[8] يقول ابن طباطبا (المعروف بابن الطقطقا) في تأريخه: (ثمّ إنّ الحسين عليه السلام خرج من مكّة متوجّهاً إلي الكوفة، وهو لايعلم بحال مسلم! فلمّا قرب من الكوفة علم بالحال، ولقيه ناسٌ فأخبروه الخبر وحذّروه فلم يرجع وصمّم علي الوصول الي الكوفة لامرٍ هو أعلم به من الناس..)، (الفخري في الاداب السلطانية والدول الاسلامية: 115 / دار صادر).

[9] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:328.